منذ سنتين سألني احد أعضاء مجلس الامة السابقين عن نية الدولة في إصدار سندات للدين العام ، وإجابتي كانت أنه لا يفضل أن تصدر الدولة سندات للدين العام لانخفاض أسعار النفط بسبب عدم حاجتنا للاستدانة لوجود الاستثمارات الخارجية بإدارة الهيئة العامة للاستثمار ، وحسب آخر تصريح للسيد وزير المالية أن دخل الاستثمارات يوازي الدخل النفطي ، ولكن توجه الحكومة بسبب ضغوط المؤسسات الدولية لضغط المصروفات وعدم استخدام أصول الدولة للحفاظ على مركزها المالي العالمي ، وأيضا توجه بعض متخذي القرار أن لا نأخذ من أصولنا المدرة ونبيعها ، وبالتعبير الكويتي ( لا نأخذ من اللحم الحي ) ، كما أن الاستدانة هو الاسلوب الأسهل وأسلوب الكسلان الذي لا يريد أن يطور مصادر بديلة للدخل وهذا ممكن جدا في ظل الموارد الكبيرة المتاحة للكويت سواء على المستوى المادي أو القوى البشرية المتميزة ، وعموما قلت له إذا كان لابد من الاستدانة فأفضل أن تتجه الدولة إلى الصكوك الاسلامية فهي أداة شرعية وبعيدة عن الفوائد الربوية وتعطي البركة في الأموال المستدانة ويتيح الفرصة لكثير ممن ينتهجون النهج الاسلامي في الاستثمار لاستثمار أموالهم مع الدولة بالأخص أن لدينا الآن خمس بنوك إسلامية يمكنها من إدارة اصدار الصكوك بكفاءة ، ولله الحمدلله والمنة استجابت وزارة المالية والبنك المركزي مشكورين لهذا التوجه الطيب وأصدرت حكومة الكويت صكوك اسلامية للدين العام من ضمن سياستها للاستدانة من الأسواق المحلية والعالمية لسد عجز الميزانية الذي يبلغ (5) مليار دينار كويتي إى (15) مليار دولار ، وهذا طبعا حساب الميزانية العامة بدون دخل الاستثمارات الخارجية والمحلية للهيئة العامة للاستثمار ، والتأمينات الاجتماعية ، ومؤسسة البترول ، والصندوق الكويتي للتنمية ، ومؤسسة الموانئ …. ، والتي تربوا أرباحها بدون الاستثمارات حسب تصريحات أعضاء مجلس الأمة إلى (20) مليار دينار أي تسد العجز بدون الحاجة للاستدانة ولكنها لا تدخل الميزانية العامة ، وهذا من أسباب ضعف الرقابة عليها إذ الرأي الأكثر شفافية أن تدخل أرباح الاستثمارات الخارجية ومؤسسات الدولة الأخرى في الميزانية العامة من أجل مزيد من الرقابة والشفافية .
وحتى لا يضيع القارئ الكريم بهذه التفاصيل نرجع مرة أخرى لموضوع الصكوك الاسلامية التي أجازها مجمع الفقه الاسلامي ووضع لها الضوابط الشرعية التي تحكم اصدارها وتناولها ، وفكرتها تقوم على المشاركة في التمويل لمشروع أو عملية استثمارية متوسطة أو طويلة الأجل وفقا لقاعدة ( الغنم بالغرم ) أو (المشاركة في الربح والخسارة ) على منوال نظام الأسهم في الشركات المساهمة المعاصرة ونظام الوحدات الاستثمارية في صناديق الاستثمار ، ويحق لكل حامل صك المشاركة في رأس المال والادارة والتداول والإرث .
وهناك فروق رئيسية بين الصكوك والسندات العادية وهي :
- يمثل الصك حصة من أصول ( موجودات ) مشروع معين فعلي بنظام المشاركة في الربح والخسارة ، أما السندات فهي تمثل قرضا (دين) بفائدة .
- تتم كافة معاملات الصكوك وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية بينما السندات لا يتحقق فيها ذلك .
- حامل الصك له الحق في المشاركة في إدارة المشروع وربحه بينما هذا الحق ليس مكفولا لحامل السند .
- يطبق على الصكوك الاسلامية بصفة أساسية صيغة فقه المشاركة في الربح والخسارة مثل الأسهم .
وهناك عدة أنواع للصكوك ، مثل المضاربة والإجارة والتنمية الزراعية والاستصناع والمزارعة والمرابحة ، ولمزيد من التفاصيل عن الصكوك يمكن الرجوع للأبحاث العديدة في هذا المجال .
وحسب وكالة ستاندرز آند بورز للتصنيفات الائتمانية العالمية فإنها قدرت أن يبلغ حجم إصدارات الصكوك الاسلاميى للعام الحالي 2017 ما بين 60 – 65 مليار دولار ، وبالطبع هذا حجم ضخم وهو يتنامى سنويا بسبب المميزات الكبيرة للصكوك الاسلامية .
وختاما سواء فأننا نشكر البنك المركزي ووزارة المالية لإصدار الصكوك الإسلامية على هذه الخطوة وندعو لتطويرها في تنمية مشاريع الدولة الكبيرة ، وأيضا اعطاء المواطن فرص للشراء المباشر من البنوك لهذه الصكوك ومشاركته في دعم مشاريع الدولة لإيجاد مصادر دخل للمواطن وللشراكة المجتمعية مع الدولة في مشاريعها ، كما يمكن ان تتحول الكويت الي مركز عالمي لإصدار الصكوك الإسلامية بما تحمل من سمعة كبيرة لدي المؤسسات العالمية المالية وأيضا خبرتها وقوتها البشرية الخبيرة في الاستثمار الإسلامي وهذا يكون من ضمن توجه سمو الأمير لجعل الكويت مركز عالمي مالي وتجاري .
والله الموفق ،،،
د. وليد عبدالوهاب الحداد